سورة القمر - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القمر)


        


{سَيَعْلَمُونَ} قرأ ابن عامر وحمزة: {ستعلمون} بالتاء على معنى قال صالح لهم، وقرأ الآخرون بالياء، يقول الله تعالى: {سَيَعْلَمُونَ غَدًا} حين ينزل بهم العذاب. وقال الكلبي: يعني يوم القيامة. وذكر الغد للتقريب على عادة الناس، يقولون: إن مع اليوم غدًا {مَنِ الْكَذَّابُ الأشِرُ}.
{إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ} أي: باعثوها ومخرجوها من الهضبة التي سألوا، وذلك أنهم تعنتوا على صالح، فسألوه أن يخرج لهم من صخرة ناقة حمراء عشراء، فقال الله تعالى: {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ} محنة واختبارًا لهم {فَارْتَقِبْهُمْ} فانتظر ما هم صانعون {وَاصْطَبِرْ} واصبر على ارتقابهم، وقيل: على ما يصيبك من الأذى.
{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} وبين الناقة يوم لها ويوم لهم، وإنما قال بينهم لأن العرب إذا أخبرت عن بني آدم وعن البهائم غَلَّبت بني آدم على البهائم {كُلُّ شِرْبٍ} نصيب من الماء {مُحْتَضَرٌ} يحضره من كانت نوبته، فإذا كان يومها حضرت شربها، وإذا كان يومهم حضروا شربهم، وحضر واحتضر بمعنى واحد، قال مجاهد: يعني يحضرون الماء إذا غابت الناقة، فإذا جاءت الناقة حضروا اللبن.
{فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ} وهو قدار بن سالف {فَتَعَاطَى} فتناول الناقة بسيفه {فَعَقَرَ} أي: فعقرها.
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} ثم بين عذابهم فقال: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً} قال عطاء: يريد صيحة جبريل عليه السلام {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} قال ابن عباس: هو الرجل يجعل لغنمه حظيرة من الشجرة والشوك دون السباع، فما سقط من ذلك فداسته الغنم فهو الهشيم.
وقال ابن زيد: هو الشجر البالي الذي تهشم حتى ذرته الريح. والمعنى: أنهم صاروا كيبس الشجر إذا تحطم، والعرب تسمي كل شيء كان رطبًا فيبس: هشيمًا.
وقال قتادة: كالعظام النخرة المحترقة. وقال سعيد بن جبير: هو التراب الذي يتناثر من الحائط.


{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا} ريحًا ترميهم بالحصباء، وهي الحصى وقال الضحاك: يعني صغار الحصى. وقيل: الحصباء هي الحجر الذي دون ملء الكف، وقد يكون الحاصب الرامي فيكون المعنى على هذا: أرسلنا عليهم عذابًا يحصبهم أي: يرميهم بالحجارة، ثم استثنى فقال: {إِلا آلَ لُوطٍ} يعني لوطًا وابنتيه {نَجَّيْنَاهُمْ} من العذاب {بِسَحَرٍ}.
{نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} أي: جعلناه نعمة منا عليهم حيث أنجيناهم {كَذَلِك} كما أنعمنا على آل لوط {نَجْزِي مَنْ شَكَرَ} قال مقاتل: من وَحَّدَ الله لم يعذبه مع المشركين.
{وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ} لوط {بَطْشَتَنَا} أخذنا إياهم بالعقوبة {فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} شكوا بالإنذار وكذبوا ولم يصدقوا.
{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ} طلبوا أن يسلم إليهم أضيافه {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} وذلك أنهم لما قصدوا دار لوط وعالجوا الباب ليدخلوا، قالت الرسل للوط: خَلِّ بينهم وبين الدخول فإنا رسل ربك لن يصلوا إليك، فدخلوا الدار فصفقهم جبريل بجناحه بإذن الله فتركهم عميًا يترددون متحيرين لا يهتدون إلى الباب، فأخرجهم لوط عميًا لا يبصرون. قوله: {فطمسنا أعينهم} أي: صيرناها كسائر الوجه لا يُرى لها شق، هذا قول أكثر المفسرين. وقال الضحاك: طمس الله أبصارهم فلم يروا الرسل، فقالوا: قد رأيناهم حين دخلوا البيت فأين ذهبوا، فلم يروهم فرجعوا. {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} أي: ما أنذركم به لوط من العذاب.


{وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً} جاءهم وقت الصبح {عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ} دائم استقر فيهم حتى أفضى بهم إلى عذاب الآخرة، وقيل: عذاب حق.
{فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} يعني: موسى وهارون عليهما السلام، وقيل: هي الآيات التي أنذرهم بها موسى.
{كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا} وهي الآيات التسع {فَأَخَذْنَاهُمْ} بالعذاب {أَخْذَ عَزِيزٍ} غالب في انتقامه {مُقْتَدِر} قادر على إهلاكهم، لا يعجزه ما أراد، ثم خَوَّف أهل مكة فقال: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ} أشد وأقوى من الذين أحللت بهم نقمتي من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون؟ وهذا استفهام بمعنى الإنكار أي: ليسوا بأقوى منهم {أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ} العذاب {فِي الزُّبُرِ} في الكتب، أنه لن يصيبكم ما أصاب الأمم الخالية.
{أَمْ يَقُولُونَ} يعني: كفار مكة {نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} قال الكلبي: نحن جميع أمرنا منتصر من أعدائنا المعنى: نحن يد واحدة على من خالفنا منتصر ممن عادانا، ولم يقل منتصرون لموافقة رؤوس الآي.
قال الله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} قرأ يعقوب: {سنهزم} بالنون {الجمع} نصبٌ وقرأ الآخرون بالياء وضمها، {الجمع} رفع على غير تسمية الفاعل، يعني: كفار مكة {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}.
يعني: الأدبار فَوَحَّد لأجل رؤوس الآي، كما يقال: ضربنا منهم الرؤوس وضربنا منهم الرأس إذا كان الواحد يؤدي معنى الجمع، أخبر الله أنهم يولون أدبارهم منهزمين فصدق الله وعده وهزمهم يوم بدر.
أخبرنا عبدالواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبدالوهاب، حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبته يوم بدر: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم»، فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك- وهو في الدرع- فخرج وهو يقول: {سيهزم الجمع ويولون الدبر}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5